مبدعون من الموصل :

  احمد دخيل الفنان الذي لا يعرف الركود

 

 

 

                                                                                               تحقيق / عصام شابا فلفل

 

              مدينة الموصل ، تلك المدينة العريقة التي أنجبت خلال عمرها الزمني من فطاحل الأدب والفكر والفن ، كيف لا إن كانت وريثة اكبر وأعظم إمبراطورية عرفها التاريخ ، تلك الإمبراطورية التي اشتهرت بفنونها العمرانية وفن النحت وصياغة الذهب والطرق على المعادن وفن الفخار العالي الجودة . إنها الإمبراطورية الأشورية الخالدة ، لذا فليس عجيب على الموصل سليلة تلك الحضارة العريقة أن تنجب من أكابر الأدباء والفنانين وعظماء السياسة أيضا عبر تاريخها الطويل ، وهنا لسنا في صدد القراءة التاريخية للمدينة ، بل في طرح بسيط للفنانين الذين أنجبتهم  مدينة الموصل وخصوصا في الفن التشكيلي وبكل أصنافه ( الرسم والنحت والفخار والتصميم وغيرها ) ، فنجيب يونس وضرار القدو وماهر حربي وحازم جياد ولوثر ايشو وغيرهم كثيرون من الذين لا يسع المجال لذكرهم  لأمثلة على الإبداع في هذه المدينة ، وهنا نبدأ تحقيقاتنا  بأحد هؤلاء الفنانين والذي يجمع بإعماله بين مختلف الفنون التشكيلية ، حيث يتقن بحرفية عالية فن الرسم وفن التصميم والخط والزخرفة أيضا ولكننا نتوقف عند فن الرسم لديه فقط ......انه الفنان الأستاذ احمد دخيل يحيى ..

   ولد الفنان احمد دخيل يحيى عبد الله النقيب في مدينة الموصل من عائلة معروفة عام 1957 ، حيث تربى منذ نعومة أظافره في كنف عائلة  تكن الاحترام الكبير والتشجيع للفنون عامة إذ أن من بين أشقاء احمد دخيل من تعلم ودرس الموسيقى واختص بالة العود وهو الفنان مؤيد دخيل ، تعلم احمد دخيل في مدارس الموصل الابتدائية والمتوسطة  ، ولشغفه الكبير بفن الرسم التحق بمعهد الفنون الجميلة في بغداد عام 1975 وخلال دراسته في المعهد اظهر براعة نادرة في الرسم واستعمال اللون حيث كان تأثر بيئته الموصلية عليه واضحا في أعماله ، وفي عام 1980 تخرج من معهد الفنون وحصل حينها على شهادة الدبلوم في الفنون التشكيلية وبدرجة امتياز ، ونظرا لموهبته العالية وتقديرا من عمادة معهده له آنذاك أرسل إلى اسبانيا ليظهر للعام الغربي ما تنتجه اليد العراقية من إبداع ، وحين عودته عين معيدا في معهد الفنون الجميلة / بغداد ،وفي نفس العام (1980) نقل إلى معهد الفنون الجميلة / نينوى المؤسس حديثا للتدريس فيه ، وفي عام 1986 – 1987 التحق بكلية الفنون الجميلة ليكمل دراسته الجامعية ومن ثم تخرج من الكلية عام 1989 – 1990  وعاد إلى الموصل حاملا معهد شهادة البكالوريوس في الفنون التشكيلية وقد استمر في عمله في المعهد إضافة إلى كونه مدرسا حيث رشح لشغل منصب المعاون الإداري للمعهد عام 1996 ، وفي نفس العام تسلم منصب مدير المعهد ، ولكن موهبته وعمله لم يتوقفا أبدا رغم انشغاله بالأمور الإدارية ، إذ لم يثن عمله الإداري عزمه عن عمله الإبداعي  بل ازدادا نشاطا ونستطيع القول  انه هنا انطلقت مواهبه جميعا إذ اشترك في جميع المهرجانات التي كان ولا يزال يقيمها معهد الفنون / نينوى إضافة إلى إقامته العديد من المعارض الشخصية  ومشاركته في العديد من المعارض التي كانت تقيمها الجهات الرسمية وشبه الرسمية ونقابة الفنانين وفي مختلف محافظات العراق ، أما المعارض التي أقامها وشارك فيها إثناء حياته الفنية فنذكر منها :

1-      معرض الباتك الأول عام 1979

2-       أربع معارض شخصية في الأعوام ( 1979 – 1982 – 1995 – 1997 ) في بغداد والموصل

3-      معرض شخصي في عمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية  عام 1998

4-      تصميم طابع بريدي ، حيث صدر هذا الطابع عام 1998

5-      صمم فولدر مؤتمر برج بابل وزقورة بورسيا عام 1998

6-      صمم العديد من الشعارات والبوسترات

7-   وقد ساهم وشارك في أكثر من ( 50) معرضا داخل العراق وخارجه ومنها ( الواسطي ، الفن العراقي المعاصر ، معرض بغداد الدولي ، نقابة الفنانين ، جمعية التشكيليين العراقيين ، وغيرها )

8-      معرضا صالون الخريف الأول  والثاني  في عامي 2000 و2001 والمقامان على قاعة الساعة في الموصل

  وقد حصل خلال هذه الفترة على العديد من الجوائز والشهادات التقديرية من منظمات ومؤسسات حكومية وغير حكومية ومنها :

1-      حصل على الجائزة الأولى لملصق عدم الانحياز عام 1982 والذي كان من المقرر عقده في بغداد

2-      حصل على أكثر من ( 50) كتاب شكر وتقدير

3-      حصل على رعاية الملاكات العلمية عام 2001 – 2002

4-    حصل على عدة شهادات تقديرية

       يتميز أسلوب احمد دخيل في فن الرسم بجمعه بين الأصالة والحداثة ، فانك تلاحظ حين تنظر إلى لوحاته بأنك تعيش واقع مدينته التي تأثر بها كثيرا ، فالقباب والعباءة الموصلية تعتبر رمزا من رموز أعماله إضافة إلى التغريب في تصنيع اللوحة نفسها  ، فإننا نلاحظها في كثير من الأحيان خارجة عن نطاق المألوف الذي يسلكه اغلب الفنانين ، اذ قلما نجد لوحة من لوحاته بإطار ذات الأربعة أضلع ، بل نجدها فعلا لوحة يملأها التغريب الحديث بأصالة موصلية حقة ، كما ان التغريب يظهر بجلاء في اسلوبه الفني ولسنا نغالي ان قلنا اسلوبه الدرامي في فن الرسم من اختيار الموضوع الى صياغة اللون وحين نتمعن بالنظر إلى تلك اللوحات نشعر وكأننا  نستمع إلى موسيقى هادئة تنبعث من أزقة الموصل الضيقة تتناغم مع انسياب مياه دجلة إضافة زقزقة العصافير في غابات الموصل  وزغاريد النسوة في الزفة الموصلية أو في ليلة الحناء الشهيرة في هذه المدينة ، كما انك تشعر بأنك تعود إلى الماضي العريق لهذه المدينة الجميلة وتشم من خلال تلك الرسوم عبق سوق العطارين وباب السراي وباب الطوب وترى روحك ترفرف فوق باشطابيا وسور نينوى لتقرأ التاريخ العريق لهذه المدينة العظيمة .. إنها الأصالة حقا وما أروعها من أصالة يمزجها الفنان القدير المبدع احمد دخيل بحداثة العصر وتعقيداته التي قلما يستطيع فنان معاصر المزج بينهما ، وخصوصا ذلك التمازج النادر والتسلسل المنطقي باستعمال اللون فتراه يمزج  تلك الألوان وكأنه يكتب موسيقى لأغنية موصلية ، وتلاحظ انسياب اللحن في اللون مع عزف ريشة الرسم على أوتار الحنين إلى الماضي .. ويجدر بنا أن نشير إلى أن الفنان احمد دخيل قد جعل من منزله معهدا صغير للفنون التشكيلية ، اذ أن زوجته الفنانة التشكيلية المعروفة ( مها الحمودي ) هي واحدة من المبدعات العراقيات القلائل في فن الرسم والخط والتصميم أيضا والتي حازت على عدة جوائز من خلال مشاركتها في العديد من المعارض داخل  العراق وخارجه ، كما أن نجل الفنان احمد دخيل الوحيد( طيف ) الطالب في كلية الحدباء الجامعة / قسم علوم الحاسبات ،  فنان تشكيلي أيضا  ، حيث حصل على عدة جوائز في هذا الفن ومنها الجائزة الأولى في المسابقة  الدولية في رسوم الأطفال التي أقيمت في اليابان عام 2001 .. في الختام نقول ( أن البيئة التي تنتج العظام ، لابد وأن تكون عظيمة ولا بد أن يكون تاريخها عظيما ولابد أن تكون سليلة امة عظيمة .. إنها الموصل .. إنها محافظة نينوى .. سليلة حضارة نينوى وأشور ) .. فما أروع الموصل وما أعظم تاريخها  وما أروع مبدعيها

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links