خشبة الصليب

فوق رابية الجلجلة

 

 

                                                             اشور ياقو البازي

             في أحلك لحظة من لحظات التاريخ، ومن فوق رابية الجلجلة الذي سادها ظلام دامس لم يشهد العالم له نظيراً علّق المسيح على الصليب، وهو لم يكن مجرماً ينال قصاصه بموجب عدالة الأرض، ولكنه كان فادياً يتألم نيابة عني وعنك لكي يوفي حق عدالة السماء الذي كنا مطالبين بوفائه، الفداء على الصليب كان هو النتيجة المباشرة لتلك المحبة الكاملة الكامنة في قلب الله نحو البشرية منذ الأزل، والتي لا نستطيع نحن بعقولنا الضعيفة أن ندركها.

" لأنه هكذا أحب الله العالم حتى وهب أبنه الأوحد، فلا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية "  ( يوحنا 3: 16 ).

وبالفادي المعلق على الصليب، أعلنت محبة الله غير المحدودة للإنسان، والتي هي أكمل وأعظم وأروع مثال للتضحية والبذل شهده العالم. ومن صليب الجلجلة أشرقت وسطعت أنوار سماوية مباركة فاقت أشعة الشمس في قوتها، وأضاءت قلب البشرية المظلم وحررت وبددت سحب خطاياه الكثيفة التي أسرتها عبودية الخطيئة، والتي قيدتها عبر التاريخ، وأنارت للإنسان الهالك الطريق إلى الحياة الأبدية.

وكل من يأتي إلى الصليب ويقترب ببساطة الإيمان، ويسمع المصلوب وهو ينادي الآب قائلاً: " يا أبتاه أغفر لهم " سرعان ما تزول كل أحاسيس الكراهية والحقد في قلبه، وتحل بدلاً منها المحبة العجيبة النابعة من قلب الله الكبير المحب، ويحصل على السلام الكامل مع الله، ومع الناس ومع نفسه.

ومنذ ألفي عام وحتى الآن لم يفقد الصليب قوته المجددة، وذلك النبع الذي فتح في  جنب الفادي المخلص منذ عشرين قرناً لا يزال ينضح حباً حتى الآن، لقد أختبر الملايين من الناس في القديم  قوة الصليب، فتجددت قلوبهم وتغيرت حياتهم وأصبحوا خليقة جديدة في المسيح يسوع. تستطيع أنت أيها الأخ العزيز الآن أن تفتح قلبك لتسطع فيه أنوار الصليب، وأن تختبر قوة وفاعلية الصليب في تغيير حياتك وتجديد قلبك. فتعال إلى الجلجلة، وضع يدك في يد المصلوب على الصليب، وهو بدوره يضعها  في يد الله فتتم المصالحة.

في الجلجلة اختفت شمس الكون..

وأشرقت شمس البر، وأشعت بالشفاء..

في الجلجلة مات يسوع لنحيا أنا وأنت ..

في الجلجة تحمل يسوع أوجاعنا لنرتاح أنا وأنت..

في الجلجلة كمل يسوع أحزاننا لنفرح أنا وأنت..

انه الحب..

الحب العظيم حب الله بلا حدود..

الرب يدعونا هيّا ..

هيّا إلى هناك في الجلجلة إلى مكان الحب الحقيقي..

سيُنسينا أنفسنا سيُشغلنا به..

سيُدخلنا دائرته دائرة الحب سيغمرنا بالحب سيمتعنا بالحب..

الحب سيُشعرنا بالآمان والراحة ..

الحب علاج للقلق دواء للخوف..

هو يقول : أنه لا يزال يحبنا أنا وأنت ..

يهمه أُمورنا يريد أن يتعامل مع مشاكلنا..

يريد أن يتعامل معها لا كسيد مع أنه السيد..

بل كمحب، كأعظم محب ..

يريد أن يتعامل مع مشاكلنا بذات الحب ..

الحب الذي قاده، ليسير في طريق الألم..

ليموت على الصليب كي نحيا أنا وأنت ..

الرب يُريد أن يتعامل مع مشاكلنا بذات هذا الحب..

الرب يدعونا هيّا .. هيّا إلى الجلجلة .. هيّا ..

هيّا لتعرفوا الحب الذي لا زلت أُحبكم به ..

الذي لا زلت أُعالج به أُمور حياتكم ..

الذي لا زلت أحلّ به قيودكم..

وأشفيكم من أوجاعكم..

واسدد به احتياجاتكم..

هيّا أنا وأنت إلى جلسة هادئة معه لنعرف منه كم يحبنا..

أيها المصلوب ..

أيها الحبيب ما أفقرك ..

لكن أي غنى لنا في هذا الفقر..

تولد في مذود وتعيش على تبرعات النساء، ولم يكن لك مكان لتسند رأسك عليه، وكعبد، كأقل العبيد تأخذ منشفة تأتزر بها وتصب ماء وتبدأ تغسل أقدام تلاميذك..

ما أحلى فقرك لي أيها الحبيب..

ما أثمن خشبك لنفسي..

أيها المصلوب وجهت نظرك نحو الصليب وسرت نحوه بخطوات ثابتة. تكثر آلامك مع خطوة، ويزداد مع الوقت سعير الأتون. كان بمقدورك أن تمنع الألم، أو على الأقل أن تهرب وتختبيء . كلا . لم تفعل مثلما نفعل نحن كثيراً حين نهرب من الجلجلة.

الجلجلة كانت لك أشهى بقعة في الوجود لتتميم الخلاص..

كان الشراب الوحيد الذي اشتهيته لتروي عطشك..

غفران خطايانا كان شوق قلبك..

كم كنت قويّاً..

قويّاً في ضعفك..

الصليب منتهى الضعف في عين العالم..

صار منتهى القوة في أعين أحبائك..

لم تهدأ ولم تستريح حتى أتممت كل شيء..

وصرخت " قد أكمل " ونكست الرأس، ودفعت الدّين كاملاً..

سيدي المصلوب ليتك تهز القلوب هزاً لتستوعب ما أتممته لخلاصها فلا غفران، ولا حياة، ولا أبدية، بدون وقفة إيمان وتوبة عند أقدام الصليب.

 

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links