جريمة سيدة النجاة.. مؤشرات خطيرة ودلائل مهمة

 

                                         جورج هسدو

            أثبتت الجريمة التي أرتكبت بحق المصلين المسيحيين في كنيسة سيدة النجاة بما لا يقبل الشك أن تنظيم القاعدة الإسلامي المتشدد والذي يعمل محليا في العراق تحت اسم دولة العراق الإسلامية، أن هذا التنظيم يبرمج عملياته النوعية ضد المسيحيين وفق تكتيكات مختلفة ومتطورة تهدف في جوهرها إلى ضمان استمرارية رسالته الرامية إلى الإقناع بعدم تهاونه مع المختلف (دينياً) إنطلاقا من عقيدته المتأسسة أصلا على وجوب إنهاء الآخر بافنائه أو أبعاده.. لكن العملية الأخيرة حملت بين طياتها مؤشرات خطيرة لابد من التمعن فيها وتحليلها وفق المنهج العلمي في كشف الحقائق والتوصل إلى النتائج وأخيرا وضع الحلول.. فالدخول إلى كنيسة وسط بغداد في منطقة تعج بالقوات الأمنية وأسر روادها واتخاذهم رهينة للمطالبة بتنفيذ مطالب معينة هي عملية ترتقي في مضمونها لأن تكون سابقة من نوعها لم يشهدها الواقع العراقي على مر مسلسل العنف الطويل الذي عانت منه البلاد منذ سنوات.. أما شكلها فقد عكس منذ البداية صورتها الإنتحارية وهذه المرة بمجموعة وليس بفرد واحد خاصة وأن المطالب جأت مستعصية التنفيذ منذ البداية وغير قابلة حتى للتفاوض.. حتى أن بيان تنظيم القاعدة الذي أُعلنت فيه المسؤولية عن الجريمة تضمن عبارات بذيئة وجمل مثيرة للحقد والكراهية من قبيل "كنيسة نصرانية خبيثة" و "ليرين هؤلاء الأنجاس وأمثالهم ما يكرهون" وجاء فقيرا هذه المرة بالآيات القرآنية الذي تعود التنظيم على ترديدها بكثرة بعد كل عملية.

وأشرت مطالب الخاطفين بعداً خطيراً بربط مصير مسيحيين عراقيين بقضية تخص الأقباط في مصر، بمعنى: أن تنظيم القاعدة كلما أشتكى مستقبلا من ممارسة أو فعل منسوب لمسيحيين من مواطني العالم العربي أو ربما في أي بقعة أخرى فأنه سيعمد إلى القصاص من المسيحيين العراقيين.. لكن طبعا هذا هو الجانب المعلن للقضية، فالقاعدة من بين كل التنظيمات الأصولية تحديدا لا تعدم الحيلة أو القدرة لرد ما تعتبره إساءات أينما وجدت، فمن غير المنطقي أن نسلم بصعوبة الإستيلاء على كنيسة في مصر وإحتجاز رهائن أقباط فيها.. أما الجانب الخفي للقضية فأنه يدل على أكثر من قناعة تصب جميعها في غير مصلحة العراقيين، ويدخل ضمن أجندات ومخططات أكبر من ذلك بكثير.

وإذا ما سألنا السؤال الكلاسيكي الذي يطرح عند حدوث أي جريمة فردية ألا وهو "من المستفيد الأول منها؟"، لتيقنا ومنذ الوهلة الأولى بأن المستفيد ليس تنظيم القاعدة، بل لتأكدنا أن القاعدة ليست سوى غطاء أو في أفضل التوقعات أداة التنفيذ فقط.. وإذا ما بحثنا عن الغاية من وراء هذه الجرائم لتأكدنا بأنها ليست لنصرة الحق وإعلاء شأن الإسلام ولا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل الغاية هي إفراغ العراق (والعراق فقط) من المسيحيين.. أما إذا فتشنا عن الخاسر الأكبر من هذا الإستهداف فأننا سنرى بأنهم ليسوا المسيحيين وإن كانوا يشكلون جزءاً من الخسارة، بل هو العراق بتاريخه وجغرافيته ومكانته.. وهنا يأتي السؤال، ماذا سنفعل لمواجهة هذه المؤامرة الخبيثة التي تستهدف بلدنا أرضاً وإنساناً؟.

ماذا ستفعل كنيسة المشرق بمختلف أقسامها للمحافظة على ديمومة وجودها في أرض الأنبياء والنبوآت؟.

ماذا ستفعل الأحزاب السياسية الكلدانية السريانية الأشورية لتطبيق برامجها وأهدافها الرامية إلى المحافظة على الوجود القومي في أرض الآباء والأجداد؟.

ماذا ستفعل الحكومة العراقية للوفاء بإلتزاماتها تجاه أمن وسلامة مواطنيها؟.

ماذا ستفعل المرجعيات الدينية الإسلامية لنبذ الفرقة ونشر ثقافة التعايش السلمي بين الأديان العراقية؟.

ماذا ستفعل المكونات العراقية ذات الأغلبية لتطمين شقيقاتها من الأقليات الدينية والعرقية؟.

ماذا ستفعل الأحزاب والحركات الوطنية للمحافظة على العراق ووحدة أرضه وشعبه؟!.

ماذا سنفعل.. ماذا سنفعل؟؟!!.

 

  

 

Home - About - Archive - Bahra  - Photos - Martyrs - Contact - Links