من موروثنا الشعبي شيتا دكاري

 

                                                                                                                

 

 

                                                                                                                

 

                                                                                                          بدران امرايا                      

            

          شيتا دكاري كلمتان سريانيتان شيتا بمعنى الطلي ويقال بالعامية  لبخ  وكاري بمعنى السطح أي  طلي السطوح الترابية في القرى بالطين سنويا ،ففي الحياة القروية هناك أعمال مهمة كان لابد القيام بها لتدبير المنزل أو البيوت الطينية  وتحصينها من كل الجوانب قبل مجيء فصل الشتاء ، و التقاعس فيها كانت العواقب وخيمة ، فالبيوت الطينية كانت تفرض على ساكنيها ترميمها سنويا وتصليح أية نواقص ومن جملة تلك الأعمال ( شيتا دكاري )اطلاء السطح الذي كان يتآكل نتيجة الأمطار وتقل نسبةاو سمك التراب عليه فكان لابد من تعويض ما استنزف من التراب مع الأمطار وإلا كانت سقوف البيوت تترشح بالمياه والمسماة بالسريانية ( دلوبي )اكره واقرف شيء خلال الشتاء وخاصة صوتها المزعج عندما كانت تتساقط من السقف وهناك مثل كلدوآشوري بهذا الصدد ( شواوا  ددلوبي ولا شواوا دفلان ) أي جار ذلك السقف المنقط بالماء المزعج ولا جار فلان شخص ، والشخص المتقاعس الذي كان يقبل بالدلوبي في بيته فهو مهان وسيقبل بكل الاهانات الموجه له، وايظا صدحت حنجرة مغنيتنا القومية المتالقة لندا جورج باغنيتها الشجية  ( ايتيلن كوبي كوبي دلالي وقم مطرا وقم دلوبي )أي جئنا بسطاء بسطاء وتحت المطر والدلوبي ، وعودة لصلب موضوعنا فشهر ايلول كانت الوقت المناسب وخاصة فيه تقل حدة الحر فكان القرويين يستغلون أيامه فيقصدون مناطق خاصة بالتراب الابيض المسماة ( خبرتا – كندي  ) وكانت هذه المناطق تمتاز بوجود تراب ابيض لزج وقوي كان الناس يقصدونه لغرض اطلاء جدران بيوتهم من الداخل والخارج وبناء التنانير والمواقد وغيرها من الاشياء ، فكان الرجال يحفرون ويهشمون الكتل الكبيرة إلى تراب ناعم ، ثم يحملون التراب في أناء منسوج من الخيوط يسمى بالسريانية ( خركا ) كان له كفتان ليتوازى على ظهر الدواب وكان على الأغلب يحمل أربعة تنكات ذات وزن ( 16 ) كغم اثنين في كل كفة ، ويأتون بها إلى البيت فيقلبون الخركا برفع إحدى كفتيه على الأرض وهكذا يوفرون التراب الكافي لأشغالهم ، والخطوة الأولى كانت تبدأ بخبط التراب بالتبن الخشن لتتماسك حبات الطين ومن ثم رشه بالماء مساءا وتركه هناك ، وفي الصباح كان يجعل وسط كومة التراب حفرة كبيرة وتملأ بالماء ومن بعدها تخبط الطينة جيدا وتترك هناك ليوم آخر حتى يتخمر الطين ولا تبقى فيه أية حفنة من التراب الجاف وكانت عملية الخبط  بواسطة الأرجل الحفاة من النساء والرجال وأحيانا الأطفال كذلك مع ترطيبه بالماء، وبعد أن يصبح الطين جاهزا كانت نساء المحلة تقصد ذلك البيت وزنودهن مكشوفة تمهيدا للعمل الجماعي  وكل واحدة تحمل قطعة من الحجر الأملس ( دلكتة او شوندوختا ) فيرش السطح بالماء ليكون رطبا ليتماسك مع الطين  بعدها يشرع الرجال بنقل الطين إلى حوافي السطح  المسماة بالسريانية ( سوناتا) ومهمة النساء كانت تسطيح الطين على السطح بمستوى وسمك واحد وبالرجوع إلى الوراء شيئا فشيئا حتى يكتمل السطح كله بالمرة ، وبعد استراحة شرب الشاي  فكان الطين يتقشف بعض الشيء فكانت كل واحدة منهن تملأ طاسه من الماء وتحمل الدلاكة وتدلك الطين مع رشه بالماء بين حين وآخر بحيث يستوي سطحه ويكون أملسا ، وعند الانتهاء من العمل كانت النساء تنزل. ويرفع السلم المودي للسطح ليكون مأمنا من خدشات الأطفال ويجف الطين ويتصلب وهذه العملية المضنية  كانت سنوية الممارسة ، ولكن بتكاتف وتعاون الكل كانت تمر مرور الكرام دون الشعور  بأي تعب أو ملل فضلا عما كان يتخللها من الغناء والحكايات الطريفة لكن حاليا انحسرت البيوت الطينية وأخذت معها هذه المهمة الشاقة  بفضل تطور مناحي الحياة  بأوجهها الهندسية والعمرانية وان وجدت بعض البيوت الطينية من ذاك القبيل في القرى النائية فإنها تغطى بالنايلون خلال فصل الأمطار......