شــاليـطـهـم و يـعـقـوبـنـا ... الحقيقة المرة

 

                     

 

                                               

                                               أسامة أدور موسى      

              منذ صباح اليوم وأنا "متبسمر" أمام شاشة التلفزيون أرقب باهتمام بالغ تفاصيل وصول جلعاد شاليط الجندي الاسرائيلي المعتقل منذ حوالي خمسة أعوام لدى حركة حماس الى أهله. وأكثر ما شدني في هذه المشاهد كان لحظة العناق بين شاليط ووالديه.

لم يكن الحراك الذي رافق صفقة التبادل أقل أهمية من الصفقة ذاتها. فمن جهة أخذ عشرات الكتاب العرب والسوريين بكتابة التعليقات والمقالات والـ "ستاتوهات" على صفحاتهم في الفيسبوك وكان القاسم المشترك الأكبر بين هذه التعليقات: "يا للفارق الكبير بيننا وبين أعدائنا، كم تحترم حكومتهم مواطنيها، وكم يهان مواطنونا على أيدي حكامنا، كم يفعل حكامهم المستحيل لانقاذ أرواح مواطنيهم وكم يسلط حكامنا كل جيوشهم وإمكاناتهم لإهانتنا وقهرنا وذبحنا بالكيماوي والمبيدات، كيف لا ونحن في نظرهم جرذانا وجراثيم وأسرابا من الذباب".

في المقلب الآخر، ورغم انقسام الشارع الاسرائيلي بين مؤيد لخطة الحكومة ورافض لها، خصوصا عائلات ضحايا العمليات الانتحارية، إلا أن الطرفين لم يختلفا لحظة على أن استعادة شاليط الى دولته وعائلته وأصدقائه هي واجب أخلاقي وضرورة وطنية حتمية مؤكدة.

لقد فعلت حكومات اسرائيل السابقة والحالية المستحيل من تحت الطاولة وفوقها لاستعادة جنديها المخطوف، بالحرب العسكرية الضروس والحصار الاقتصادي الخانق ضد غزة تارة، وبالدبلوماسية والمفاوضات والوساطة الدولية أحيانا أخر. وفي مقلب الأنظمة العربية فلم يعدم هؤلاء الوسيلة من تحت الطاولة وفوقها أيضا، بالحرب العسكرية الضروس والحصار الاقتصادي الخانق والمناورات الدبلوماسية والدولية أيضا، لكن لسحق شعوبها ومواطنيها وإذلالهم. 

استحضرت، وانا أتابع الفضائيات العربية وهي تحتفل بمبادلة جندي إسرائيلي بألف أسير فلسطيني، استحضرت الحملات العديدة التي تقودها المنظمات والنشطاء الحقوقيون والسياسيون الآشوريون السريان لاطلاق سراح الجندي السوري المعتقل في السجون السورية يعقوب حنا شمعون الذي اعتقلته السلطات السورية مع شقيقه في الثاني من تموز العام 1985 بعد أن قرر العودة من لبنان للاستفادة من مرسوم العفو الذي أصدره الرئيس السابق حافظ الأسد للمتخلفين عن خدمة العلم. ولم تنفع كل النداءات والحملات التي سبق وقامت بها المنظمة الآثورية الديمقراطية منذ العام 2005، ولا تحركات الشبكة الآشورية لحقوق الإنسان منذ اندلاع ثورة الكرامة في سوريا، لم تنفع في إطلاق سراح يعقوب شمعون، المواطن السوري البريء إلا من تهمة الانتماء للوطن ولا شيء آخر سوى الوطن.

انها لمفارقة عجيبة أن يعود الأسير اللبناني سمير القنظار من سجنه يحمل شهادات دراسية أنجزها خلال فترة حكمه في السجون الإسرائيلية، وأن يعود الأسير الجولاني البطل وئام عماشة إلى عائلته سالما معافى، وأن يعود غياث وزينب وحمزة من السجون السورية الى عائلاتهم مقطعين مشوهين مسروقة أعضاؤهم، وأن يبقى شمعون حبيس الانفرادية لمدة ستة وعشرين عاما !!

 لقد قضى نصف عائلة يعقوب شمعون وهو ينتظر صفقة ما، يبرمها النظام السوري مع شعبه ليفرج بموجبها عن جميع المعتقلين السياسيين، هذه حقيقة. لكن هذا الحلم لم يتحقق وهذه حقيقة مرة. والدة يعقوب شمعون باتت تحصي أيامها الأخيرة لكنها مصممة على ذات الحلم، أن تعانق يعقوب قبل أن ترحل كما عانقت أم جلعاد ولدها.