إنْهَض يا يَهوذا.جَعَلْتُكَ راعِياً لخِرافِ المَسيح

 

                                                                                         

                                                                                    

                                                                                  ياقو بلو

           

     توطئة:

1-     بدءا،يسرني ان اقدم كل شكري وامتناني لكل الاحباء الذين عاتبوني بالحب لتوقفي عن الكتابة في الشأن السياسي العراقي عموما،والمسألة القومية خصوصا،وتفرغي شبه التام للادب ودراسة تاريخ الاديان.

2-    اتمنى على الجميع ان لا يعاتبوني كوني لا استخدم الفاظ التبجيل حين آتي على ذكر اسماء السادة رجال الدين،واي كانت درجاتهم الكهنوتية،انما اكتفي بذكر اسم الدرجة الكهنوتية فقط،واذ افعل هذا،انما افعله تماشيا مع روح الانجيل وتعاليمه كما افهمه شخصيا واؤمن به.

 

مدخل لا بد منه:

يهوذا ابن سمعان الاسخريوطي هو احد الاثنا عشر الذي اختارهم المسيح شخصيا ليكونوا شهودا على رسالته،ومن ثم مبشرين بها في كل المعمورة،ويرد اول ذكر له في متى4:10،وفي مرقس 11:3،وفي لوقا 16:6،الا ان البشير يوحنا يعطي عنه بعض التفصيلات الطفيفة في الاصحاح السادس.

كان يهوذا يعمل امينا لصندوق الجماعة الملتفة حول السيد المسيح،وتقول عنه الروايات غير المؤكدة:انه كان رجلا جشعا بخيلا انانيا،ولهذا يعتقد البعض ان جشعه دفع به الى بيع سيده لاحبار اليهود مقابل ثلاثين من الفضة/3:18،كما يفسرون تذمره من المجدلية حين مسحت اقدام السيد المسيح بطيب غالي الثمن،كنوع من التعبير عن البخل/يوحنا3:12.

تقول رواية الانجيل:ان يهوذا بعد ان سلم يسوع لاحبار اليهود،وتيقن من سوء عاقبة فعلته السيئة،ندم كثيرا الى حد الشعور باليأس،فأنهى حياته بالانتحار،وقد قررت جميع المرجعيات الدينية المسيحية منذ البداية،ان يهوذا ذهب الى النار لانه يأس من رحمة الله ومغفرته،وليس لانه خان سيده وباعه لاحبار اليهود،رغم ان شهرته الشائعة بين الناس هي خيانته.

لمن لا يعرف:

ان كنيسة المشرق لم تكن يوما طرفا في نزاع مع بقية كنائس العالم المسيحي منذ فجر المسيحية حتى فترة الانقسامات الكبرى،وخاصة بعد مجمع الخلقدونية في منتصف القرن الخامس الميلادي،وما خلفته لنا وثائق المجامع المسكونية يقر بذلك بشكل واضح وجلي،فتلك  الخلافات شملت فقط الكنائس المنتشرة على الرقعة الجغرافية التي تقع ضمن حدود  الامبراطورية الرومانية حصرا،لان الكنيسة المشرقية كانت ضمن حدود الامبراطورية الفارسية،وهذا يعني:حين اخذت كنيسة المشرق ببعض ما قال به البطريرك نسطورس،وثبت انه هو الصحيح بدليل ان الجميع اخذوا به لاحقا،لم يكن فرضا فرضه الامبراطور الفارسي كما حصل مع الكنائس التي كان يعمل مدبروها في خدمة التاج الروماني كما تقول الحقائق،انما اخذت به لانه ينسجم تماما وروح الانجيل الذي نقله اليها ماري واديْ،واقره توما الرسول.

مناسبة حديثي لهذا اليوم هي القاء نظرة فاحصة محايدة على البيان الذي اصدرته بطريركية الطائفة الكلدانية في العراق يوم 15-1-2012،فمثل هكذا حدث يحاول ابطاله التلاعب بمشاعر وعواطف الملايين من المسيحيين(سواء داخل،او خارج العراق) كما اعتقد شخصيا،يفرض علينا ان نقف عنده طويلا علنا نشخص الدوافع الحقيقية التي حدت بهؤلاء الى سلوك هذا الدرب الوعر الذي يفرق اكثر مما يجمع،فهذا لعمري يناقض العقيدة المسيحية التي يدعي هؤلاء انهم امنين عليها،ولأني اقف بالضد من الكثير الذي ورد في البيان،عليه قررت ان ارد بما اعتقد انه حجة تتوافق ومنطق العقل على اصحاب هذا البيان بصفتي ياقو بلو،ولا امثل سوى ياقو بلو ومن يؤمن بما اؤمن به انا،وهؤلاء اظنهم يشكلون الغالبية العظمى من ابناء شعبنا الذين اثق ان هكذا افعال سوف لن تزيد سوى من حزنهم واسفهم وتشظيهم،وعليه اتمنى على الجميع الاطلاع بدقة على البيان قبل ان يواصلوا قراءة مناقشتي  التي سوف ابوبها على شكل نقاط متتالية تسهيلا للنقاش .

http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic%2c554882.0.html

اولا:عنوان البيان لا يدل مطلقا على انه صادر من جهة مهمتها الاولى والاخيرة هي الاهتمام بالجانب الروحي والتربوي الذي تقول به العقيدة الدينية التي تتبناها حصرا،فالمسيحية التي نعرفها جميعا،واي كانت ادياننا وعقائدنا،صريحة جدا في موقفها من الشؤون المادية التي تشغل حياة الناس اليومية،وبعكسه سوف نطالب صاحب البيان ان يحذف من الانجيل عبارة مثل:مملكتي ليست من هذا العالم/يوحنا36:18،فالرجل،وكما تدل صيغة البيان،يرمي الى تاسيس مملكته على الارض،هذا جانب،اما الجانب الاخر فهو،ان البيان موجه الى الشعب العراقي برمته،وهذا يثير الدهشة فعلا،ما علاقة الشعب العراقي بالموضوع سيدي الجليل؟ان كل ما ورد في البيان يدل بوضوح على انه قضية شخصية ليس للشعب فيها ناقة او جمل،ترى هل هي محاولة غير بريئة من اجل خلط الاوراق خدمة لاجندة غير معلنة؟

ثانيا:يقول صاحب البيان:ان نسبة ابناء الطائفة الكلدانية بين المسيحيين تصل 75%،وان النيابة البرلمانية للسيد يونادم كنا كانت وفق قانون الكوتا لغير المسلمين،ثم يرفض ان يكون السيد كنا ناطقا رسميا بأسم المسيحيين،كونه لا يمثل سوى نفسه وحزبه،وهذا كما يقول منطق الاشياء قول مرفوض،والا سوف نقول غدا للرئيس الامريكي اوباما:الزم حدودك،فأنت لا تمثل سوى نفسك والحزب الديمقراطي الذي تمثله،حسن جدا سيدي البطريرك،لما كانت هذه نسبة اعداد ابناء الطائفة الكلدانية،الا يعني هذا ان ابناء هذه الطائفة هم الذين انتخبوا السيد يونادم كنا،وقبلوا به ناطقا رسميا بأسمهم؟من انتخبك انت سيدي لتكون بطريركا على كنيسة الطائفة الكلدانية وتتحدث بأسم ابناء هذه الطائفة؟اذن،وفق هذه المقارنة،السيد كنا اولى منك في النيابة عن المسيحيين،فالرجل منتخب من الشعب،في حين سيادتك مفروض على الشعب كما اتمنى انك لم تنس هذا،السيد كنا لم يتدخل يوما في شؤون المسيحيين الروحية التي يفترض انها اختصاصك،كما تريد ان تتدخل انت في شؤونهم الحياتية،ومنها السياسية والقومية دون وجه حق.

ثالثا:ما يدعيه صاحب البيان في الفقرة رقم -2- مخالف تماما للسلوك الذي اتاه،ففي الوقت الذي يتحدث فيه عن العمل يدا بيد،فعل العكس تماما،فالبيان مكتوب بلهجة تنم عن روح عدائية لا تنسجم وابسط تعاليم المسيح اولا،ولا تتفق ومدلول المواطنة الواجب قيامها على الاخاء الانساني ثانيا،اما المسألة التي يناقشها،فقد ردها صاحب الشان موثقة بكل ما يثبت بطلان ادعاء صاحب البيان كما مبين في الرابط ادناه:   http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,555051.msg5467202.html#msg5467202

رابعا:في النقطة الرابعة من البيان،يتهم السيد البطريرك مكتب رئاسة الوزراء بأناطة مهام ادارة شؤون ديوان المسيحيين والديانات الاخرى بمن ترتضيه الحركة الديمقراطية الاشورية،وهذا كما افهم شخصيا،غمز صريح الى الطائفية التي قال عنها في بداية حديثه انها مقيثة،وغمزه هذا متأت من كون السيد كنا ليس من الطائفة الكلدانية الكاثوليكية،واظن ان هذا لا يستقيم ومنطق الحقيقة،فقد شغل هذا المنصب،ولسنوات طويلة الاستاذ عبد الله هرمز النوفلي،والاستاذ النوفلي احد ابناء الطائفة الكلدانية الكاثوليكية كما اعرف يقين المعرفة،وقد تم اختيار السيد النوفلي لهذا المنصب بناء على خلفيته التي لا تشوبها شائبة عنصرية طائفية،ولمن لا يعرف:ان شقيق الاستاذ عبد الله النوفلي كاهن كلداني كاثوليكي.

خامسا:في النقطة الرابعة من البيان،يضطر الانسان المحايد الى الوقوف طويلا ليتأمل الحال المزري الذي يريد صاحب البيان وامثاله ان يوصل اليه المسيحيين العراقيين،هل حقا يصلح مثل هكذا انسان،وبهكذا عقلية عنصرية طائفية،ان يكون مدبرا لشؤون طائفة يدعي ان اتباعها تبلغ 75% من عدد مسيحي العراق؟الم يتعظ هذا الرجل من تجارب التاريخ المريرة التي مرت بها كنيسة المشرق يوم كان الصراع على رئاستها يحسمه سيف الحاكم؟الم يخطر بباله يوما ان المسيح غلب العالم بالمحبة وليس بصولجان الحاكم؟هل حقا ان هناك من يتدخل بالشؤون الداخلية لكنيسة الطائفة الكلدانية،ام ان دعاوى صاحب البيان ما هي سوى تعبير عن ازمة داخلية خانقة تعانيها ادارته؟(الاخبار الموثوقة تقول:ان كل ابرشية وخورنة صار القائم على تدبيرها يتصرف دون ان يحسب اي حساب لرئاسته الكنسية)ان علاقة الكنيسة بمؤسسات الدولة،اي دولة يا سيدي البطريرك،لا تتعدى عن كونها علاقة روتينية تقول بحقوق الانسان المسيحي في ممارسة عقيدته الايمانية واقامة شعائرها ليس الا،انا لا اسمح لك،ولا لأي مخلوق اخر ان يمثلني سياسيا او قوميا سيدي،فهذا شأن يخصني وحدي،ربما اسمح لك ان تتحدث عن العقيدة الدينية التي آخذ بها في حال موافقتي على ما تقول فقط،لقد ولى زمن ان يكون رجل الدين ممثلا عني دينيا ودنيويا الى الابد يا سيدي البطريرك،هل هناك فعلا من يتدخل في شؤون كنيستك يا سيدي البطريرك،ام ان العكس هو الصحيح؟ترى هل اذكرك بفعلة المطران سرهد جمو وتدخله المثير للاشمئزاز في شؤون كنيسة المشرق الاشورية؟ترى اليس المطران جمو ملزما ان يقدم لك فروض الطاعة كما تقول عقيدة الكهنوت الكاثوليكي؟هناك الكثير،والكثير جدا من الادلة والبراهين التي تؤكد على ان العديد من الكهنة والاساقفة في طائفتك لا تأخذ بتعاليمك ووصاك بأعتبارك راس الهرم في الترتيب الاداري الكنسي،محمل الجد سيدي،ترى لمن سوف تشكو هؤلاء،خاصة وانك قلت في بيانك:لا نسمح لاحد ان يتدخل كائنا من كان....في قضاياكم الداخلية؟سيدي البطريرك،لك ان تقطع صلتك باية جهة تشاء بصفتك الدينية فقط،وشريطة ان يكون رد الفعل هذا دفاعا عن العقيدة الايمانية للجماعة التي تمثلها،اما بعكسه،فانا اقول لك سيدي بصراحة:انك تزج بنفسك(او هناك من ورطك او اجبرك)فيما ليس من شأنك مطلقا،وسلوكا مثل هذا،اعتبره فرض الوصاية على ضمير المسيحيين دون وجه حق،اما اغرب ما اثار دهشتي،فهو استشهاد صاحب البيان بالمزمور:ان لم يبن الرب البيت،فباطلا يبني البناؤون.وهنا اقول له بكل محبة:لقد بنى الله لنا بيتا،فلماذا تصر على هدمه وتشتيت اهله يا سيدي البطريرك؟

قبل ان اختم سطوري هذه اقول:ان لغة البيان ركيكة جدا ولا تليق ببيان صادر عن اعلى مرجعية دينية لاكبر طائفة مسيحية في العراق،اظن انه كان من الحكمة ان يرسل هذا البيان الى الاتحاد العالمي للادباء والكتاب الكلدان لكي يهذبوا عبارته،ويحكموا حبكته اللغوية،او كان من الافضل ان يكلفوا احد القادرين على الكتابة بصياغته،ويسرني ان اعلن من هذا المنبر عن استعدادي التام للقيام بمثل هذه المهمة حتى لو تقاطع ما اكلف بكتابته كليا مع ما اؤمن به.