المربي الفاضل نوئيل قيا بلو كما عرفته

 

                

                                                                               

                                                                                    يوسف شكوانا

                                                                                                         

    كنت طالبا في الصف السادس الابتدائي في العام الدراسي 59-60 عندما نقل الاستاذ نوئيل قيا بلو الى مدرستنا مدرسة القوش الاولى وهو المعلم الشاب ابن بلدتي القوش ومحلتي قاشا ومن عائلة بلو العريقة، ليعلمنا مادة الجغرافية إضافة الى الرياضة أتذكر محبة التلاميذ له ولطريقته في التعليم وكيفية تعامله مع الطلاب بحيث نال احترام الجميع، فلا أتذكر انه ضرب طالبا كما كان جاريا في مدارس تلك الفترة. بعد حوالي عشر سنوات وجدت نفسي أعلم معه لعدة سنوات في مدرسة الصيف التي كان يديرها المرحوم الاب هرمز صنا واستمرت لسنوات عديدة كان يتبرع سنويا للتعليم فيها خلال أشهر العطلة الصيفية ما بين 20 و25 بين معلم وكاهن والتلاميذ الاكليريكيين وكان رابي نوئيل أحد معلميها الاساسيين سنويا وعادة ما يعلم الصفوف المتقدمة لامكانياته الكبيرة في اللغة، كنا نعلم فيها لغتنا السريانية والتعليم المسيحي ويفوق عدد تلاميذها سنويا على الخمسمائة تلميذ .

في تلك المدرسة تعرفت عليه عن قرب وعرفت كم كان ضليعا في التاريخ والتراث ولغتنا وكذلك باللغة العربية كما تعرفت على جانب آخر للمرحوم خلال السفرات التي كنا نقوم بها في نهاية الموسم سنويا وكان جانب الجد والمرح والاستقامة في كل أحاديثه ومواقفه وأتذكر وقائع عديدة تثبت ذلك فنال احترام وتقدير الجميع وغالبا ما كنا نستشيره في امور عديدة ويحكم بيننا عندما نختلف وكلنا نقبل بأحكامه لما يتميز به من الحيادية والالتزام بالحق، كما كنت أجده مساهما فعالا في كل المسرحيات التي قدمت في القوش في تلك الفترة وهكذا الى أن تركت البلد. وفي أمريكا أتذكر يوم تأسيس جمعية مار ميخا كيف كان مندفعا ومشجعا لولادة هذه الجمعية كي تساهم بمساعدة بلدتنا الحبيبة القوش فتم الاخذ بالعديد من آرائه ومقترحاته التي كانت تشعرك بمدى محبته لبلدته. كنت دائما أشتاق لمجلسه أسأله في مواضيع متنوعة وكان ملما بها وكنت أحيانا استغرب من كمية المعلومات التي يخزنها كما علمت أن وضعه الصحي لم ينجح في منعه من نشاطاته الفكرية والكتابية فكلما أزوره اراه محاطا بالكتب والاوراق وقلمه لا يفارق يده فكان عطاؤه لا ينضب وعزيمته لا تنثني. سألته مرة عن استخدام الكلمات الدخيلة على لغتنا في الشعر والادب فعرض علي استعداده لتنقيح كل القصائد الشعرية التي كتبتها وقام بذلك فعلا حيث نقح وكتب بخطه الجميل بحدود 150 من قصائدي وخلال تلك الفترة كنت أزوره باستمرار ويشرح لي التغيرات التي يقترحها لبعض الكلمات ويبين السبب فيقول ان أصل هذه الكلمة فارسي أو تركي مثلا وبلغتنا هي كذا ولا يكتفي بهذا وإنما يذكر مصدر الكلمة وطريقة كتابتها كما كنت دائما أسأله عن بعض المواضيع التاريخية والتراثية وكان حقا موسوعة في هذين المجالين، لقد عرفته دائما معلما أولا في المدرسة وأخيرا في البيت، كان يؤكد على الصدق الامانة في كتابة الحقائق التاريخية والمحافظة على نزاهة القلم ويستغرب من انزعاج البعض من ذكر الحقائق ويؤكد على أن ذلك يجب أن لا يؤثر على الخط المستقيم للكاتب الامين. وفعلا هذا ما تتميز به كتاباته التي ستبقى مراجع لكل من يكتب بأمانة، وهذه تعتبر وساما آخرا إستحقه إضافة إلى الاوسمة الاخرى العديدة كالاستقامة والعطاء والتواضع وحب الغير والتعليم واهتمامه بعائلته الكبيرة التي هي شعبنا وبلدتنا وكذلك عائلته الصغيرة التي من حقها أن تفتخر به وبسيرته. وهكذا أقول ليست عائلته فقط التي خسرته ولكن خسره شعبنا وبلدتنا ولغتنا. ونحن نتذكره ونتذكر أعماله نطلب له الرحمة الابدية ولاهله ومحبيه الصبر والسلوان

في الختام أرى ضرورة التذكير بما كتبه في إهداء كتابه: حوادث مهمة في تاريخ القوش الحديث فقال:

 الى التي تسكنني ليل نهار ولا أسكنها اضطرارا، الى كرتي الارضية القوش الحبيب.