محبتي الصادقة لأُمتي قادتني الى طريق زوعا(2)

 

 

 

 

 

                                                                                                

                                                                                                     

يوسف شكوانا                    

 

            
التعرف الاول على زوعا

في بداية التسعينات اتصل بعض الاصدقاء وسالوني عن شخص اسمه داود شكوانا وانه قادم من الوطن ضمن وفد زوعا وسيقيمون ندوة في ديترويت ولعلمي بعدم وجود شخص بهذا الاسم في عائلتنا وبهدف التعرف عليه حضرت الندوة وكان المتحدث الرئيسي فيها الرفيق نينوس بثيو سكرتير زوعا وقتها، سمعت منه كيف انهم يحولون الاقوال التي سمعتها من المرحوم ابرم عما الى افعال لقد تحدث تماما بما اؤمن به والذي كان يعيش معي لفترة عشرين عاما هذا من ناحية ومن ناحية أخرى تبين من حديثه انهم ليسوا كما اشيع عنهم بانهم فرع من الحزب الشيوعي ولكن لهم علاقات جيدة معهم وكانت نسبة كبيرة من الحضور من زملاء الاتحاد الديمقراطي العراقي، بهذه الندوة تجدد الامل وتحولت الافكار المجردة الى أفعال ونضال وتضحيات وشهداء فقمت اتابع اخبارهم واكتب الاشعار عنهم، سجلت تلك الاشعار في البيت على شريط كاسيت وانتشر بتسجيله من شخص الى اخر. عن طريق صديق لي في شيكاغو وهو عضو حزب بيت نهرين الديمقراطي وصل الكاسيت الى الدكتور لنكن مالك وكان وقتها مسؤول فرع امريكا وكندا لزوعا وبعدها بدأت الاتصالات الهاتفية بيننا تعرفت من خلالها على المزيد من المعلومات عن زوعا.

وكان وقتها الزملاء في الاتحاد الديمقراطي العراقي يعربون عن ان أبواب جريدتهم (صوت الاتحاد) مفتوحة للمواضيع القومية لذلك اجريت مقابلة مع الدكتور لنكن وتم نشرها في الجريدة ومن خلال تلك المقابلة تعرفت على الكثير من افكار زوعا ونهجه، وكل جديد كنت اعرفه عن هذه الحركة كان اعجابي بها يزداد وقمت اشارك بنشاطات الجمعية الخيرية الاشورية وخاصة حفلاتها بعد ان عرفت اهداف هذه الجمعية في دعم شعبنا وقرانا ومدارسنا. بعد فترة طلب مني الدكتور لنكن ان اقدمه في ندوة يقيمها في ديترويت وكان ذلك أول لقائي به وجها لوجه. خلال تقديمي له قلت (زوعا الممثل الوحيد لشعبنا في اقليم كردستان) ومن نظرات بعض الحضور شعرت بأن كلمة (الوحيد) لم تكن في محلها ولم تكن مكتوبة في ورقة التقديم فجاءت اشبه بزلة لسان لأن زوعا فاز باربعة مقاعد من مجموع المقاعد الخمسة ولم يفز بجميعها وذلك في انتخابات اقليم كردستان عام 1992، ومع ذلك ففي الفقرة الاخيرة من الندوة كانت كل التعليقات ثناءاً وتأييداً لما طرحه المحاضر فاعتقدت ان مسالة اضافة كلمة (الوحيد) قد مرت بسلام الى أن قام الزميل العزيز (ابو جمال) وعلق على الموضوع ذاكراً ان التعبير كان خطأ، ومنذ ذلك الحين أُحاول دائما وبقدر الامكان أن أكون دقيقا في التعبير فشكرا لأبي جمال على ملاحظته التي اذكرها دائما.

كلما ازددت تقربا من زوعا بمرور الأيام كانت الحقائق تظهر أمامي وكان إعجابي بنهجه ونضاله وثوابته تتعزز كالايمان بالعمل على ارض الوطن واستقلالية القرار والايمان الراسخ بوحدتنا القومية وعدم التمييز بين ابناء شعبنا الواحد واحترام كافة تسمياتنا القومية وبناء الانسان القومي والعمل على احياء لغتنا والابتعاد عن المهاترات الجانبية ويكون شعارنا العمل ثم العمل وتقديم التضحيات من أجل قضيتنا القومية اضافة الى الاستنتاج المنطقي بان هدف اولئك المناضلين لم يكن بأي حال من الاحوال تحقيق اية مكاسب شخصية وانما يمكن القول بانهم خاطروا بحياتهم ومستقبلهم ومصالحهم الشخصية من أجل المصلحة القومية والوطنية، فمن المؤكد ان الذي ترك دراسته وعائلته والتحق بالكفاح المسلح لم يفكر بالمناصب فلم تظهر في الافق وقت اقدامه على تلك الخطوة اية مكاسب شخصية وانما الاستشهاد وملاحقة افراد عائلته والنضال باصعب الظروف واخطرها وكان يعرف جيدا ان مصلحته كانت بالسكوت ومسايرة سياسة النظام كي ينجو بجلده ويكمل دراسته، ولكنه اختار الطريق الصعب، طريق تقديم التضحيات.

وخلاصة القول انني أحببت امتي وكل مقوماتها منذ البداية وفي عمر الشباب تعرفت على الفكر الذي وجدت فيه الطريق الممكن سلوكه للوصول الى تحقيق الاهداف القومية العادلة، بعدها وجدت التنظيم الذي يناضل بصدق ويقدم التضحيات ويجسد ذلك الفكر وكان هذا التنظيم الحركة الديمقراطية الاشورية (زوعا) في الوقت الذي لم ولن افكر بأية مصلحة شخصية ولست بحاجة لتحقيق أي مكسب شخصي وسوف أرفضه حتى لو قدم لي على طبق من ذهب، فالعمل في صفوفهم هو تقديم التضحيات المختلفة كالوقت والمال دون الحصول على اية مكاسب مادية وانما تلبية لنداء الايمان والضمير والشعور بالواجب، كما انني لم يسبق لي التعرف على اي من اعضائها أو قيادييها ولم يكن لي أية معرفة شخصية بأي منهم ولم اكن اعرف حتى اسماءهم، فكان ايماني بالفكر والنهج وليس بالاشخاص وسيبقى هكذا...

لا بديل لأرض الوطن

من المعروف ان قضية حقوقنات هي في الوطن وليست في اي مكان آخر وبنظري ان هذا هو عين الصواب لاسباب عديدة في مقدمتها كون أرض الوطن أرضنا التاريخية وعليها عاش شعبنا وقاوم مختلف الصعوبات والهجمات التي كانت تهدف الى القضاء عليه خلال تاريخه الطويل والمرير وتحديدا بعد سقوط امبراطورياته التاريخية عامي 612 و539 قبل الميلاد. لقد جرت محاولات عديدة في الخارج وتأسست تنظيمات ساهمت في المحافظة على الشعور القومي وبدرجات متفاوتة الا انها كانت بعيدة جغرافيا عن شعبنا في الوطن وواقعه ومعاناته وبمرور الزمن تأثر البعد الجغرافي على البعد الفكري، وهذا باعتقادي امر طبيعي لأن أسباب تركها الوطن وهجرتها أو تهجيرها كانت عالقة في الاذهان بصورة عامة فكان من الصعب النضال من أجل وطن أرغمهم على تركه. ولهذا ورغم نشاطاتها في الخارج وتاسيسها العديد من المؤسسات القومية في اماكن مختلفة الا انها بقيت محصورة في مناطقها ومعظمها لم يصل الوطن، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فالعمل القومي في المهجر يقتصر بصورة عامة على جيل المهاجرين ومن الصعوبة أن يشمل الجيل الثاني ومن شبه المستحيل انتقاله الى الجيل الثالث ربما يقول قائل عكس ذلك ضاربا مثلا من الواقع قد يكون صحيحا ولكن ما نسبة ابناء الجيل الثالث التي تعرف هويتها ولغتها، ان شعبنا ليس اول شعب ينصهر في بلدان الإغتراب فلقد سبقتنا كل الاقوام التي هاجرت الى امريكا مثلا كالبولونيين والالمان والمكسيكان والايطاليين والايرلنديين وكل الاخرين ولا توجد اية عوامل تجعلنا نشذ عنهم، لنلاحظ مناسباتنا في مختلف المدن حيث يقتصر الحضور على الجيل الاول والقادمين الجدد أما الاخرين فاندمجوا بثقافة مجتمعهم الجديد

من هذه الحقائق ارى ان املنا الوحيد في المحافظة على وجودنا كقومية عريقة هو على ارض الاباء والاجداد،ولذلك فاكبر خطر واجهته امتنا هو خطر الهجرة وقطع الجذور من تلك الارض، فرغم كل الاضطهادات وحروب الابادة والانصهار القسري التي شنت ضد شعبنا عبر التاريخ بقي من نجا وصمد متمسكا بصفاته القومية ومن حقنا ان نفتخر بكوننا احفادهم، الا ان الهجرة الحالية ليست الا الانصهار الطوعي. لقد وقف مؤسسوا زوعا على هذه الحقيقة ويعرفها مناضلوه فاعتبروا النضال على ارض الوطن من ثوابتهم التي لا يمكن تغييرها، وهكذا بقيت هذه الحركة متمسكة بارض الوطن رغم ما شاهدته من السجون والملاحقات والاعدامات والاغتيالات والانفال والكيمياوي وبذلك حافظت على بقاء قضية شعبنا حية خاصة بعد ان تفاعلت تفاعلا ايجابيا مع القضية الوطنية ككل.

تاسيس زوعا كان ضرورة قومية ووطنية

بدأ حزب البعث بعد وصوله الى السلطة عام 1968 بسياسة جديدة تختلف عن سياسته الدموية عام 1963 فاقام الجبهة مع الحزب الشيوعي وعقد اتفاقية آذار مع الاكراد لمنحهم الحكم الذاتي ومنح الحقوق الثقافية للتركمان وبما يخص شعبنا اصدر قانون منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية عام 1972 الذي استقبله شعبنا بفرح كبير. الا انه ظهر بعد فترة قصيرة ان كل تلك الخطوات لم تكن الا كتكتيك مرحلي لترسيخ اقدامه ومحاولة ظهوره امام العالم كنظام ديمقراطي متحضر، فبما يخص التعليم السرياني اخذت لجنة مكونة من ثلاثة اشخاص تجوب بلداتنا وتقيم ندوات عن مضار التعليم السرياني واحدى تلك الندوات اقيمت في نادي الموظفين في القوش طالبوا الاهالي بالتوقيع على طلب رفض التعليم بلغتنا فتصدى لهم الاب (المطران) يوسف توماس قائلا: لماذا تطالبون منا رفضه انكم منحتمونا هذه الحقوق وبامكانكم الغاءها. وبعدها تشكلت لجنة للاستفتاء الصوري فكانوا يجمعون تواقيع الاهالي بعد ان يُسألوا: هل تريدون ان يصبح اولادكم اطباء ومهندسين ام جنودا؟ وعندما يختار الخيار الاول طبعا يقولون له اذا وقع هنا اي في خانة الرفض، وبعدها طُلب من اولياء امور تلاميذ الصف الاول مراجعة مدارسهم فذهبت الى مدرسة البنات عن شقيقتي وكنت ضمن مجموعة من الاصدقاء كانت المديرة تتصدر الغرفة ومعها مسؤول البعث ومسؤول الامن اعطتنا ورقة للتوقيع عليها وكان نصها كما يلي: نظرا لعدم توفر الامكانيات نطالب بعدم تطبيق الدراسة باللغة السريانية!! قلت لها ان هذا النص خطا لانه يدل على ان الدراسة طبقت وظهر عدم توفر الامكانيات ولكنها لم تطبق كي نعرف اذا كانت الامكانيات متوفرة ام لاء، فقالت ان النص جاء هكذا ولا يمكن تغييره ولكم الحرية في التوقيع او الرفض وكل المجموعة رفضت التوقيع. وهكذا اخذت تلك القرارات تلغى واحدا تلو الاخر ليظهر بعدها على حقيقته الشوفينية الدموية فشن حملات شرسة على كل الاطراف التي سبق وأن اتفق معها وبما يخص شعبنا ومنح حقوقه الثقافية بدأت النشاطات المتعددة وتاسست النوادي والجمعيات المختلفة شملتها جميعا بعدئذ سياساته القمعية حيث سيطر عليها وقيد نشاطاتها الى ان وصل الامر الى حرماننا من اسمنا القومي في التعداد السكاني عام 1977 والجدير ذكره ان العديد من مواد قرار منح الحقوق الثقافية لم تر النور كالتعليم السرياني مثلا فحتى الدورات الخاصة منعها كما حصل في القوش ولم يكتفي بذلك بل صادر حتى ما كان لدينا قبل صدور القرار ومنع مدرسة القوش الصيفية التي سبق الحديث عنها خير دليل على ذلك اما مؤسساتنا الاجتماعية والثقافية والادبية والرياضية فأخذ يسيطر عليها بواسطة اعضائه لمنعها من اقامة اي نشاط قومي مهما كان نوعه وطبيعته، ومضى قدما في هدم قرانا التاريخية ممى ادى الى تغيير ديموغرافية مناطق عديدة فلقد ازال عن الوجود عشرات القرى والاديرة والكنائس مما سبب حالة الهجرة الى المدن الكبرى خاصة بغداد ومنها الى خارج الوطن. امام ذلك الواقع تداركت الطبقة المثقفة الواعية الخطر الذي يهدد وجودنا والمصير الذي ينتظرنا كشعب عريق على تلك الارض ولكن من يجرؤ على الكلام ضد اشرس نظام شهدته البلاد اذ كان يقضي على من يفكر او يتكلم بغير ما يفرضه فكم بالاحرى من يعمل ويناضل من اجل شعبه، فتشكلت تكتلات صغيرة من طلاب الجامعات وبسرية تامة تمكنوا اخيرا من عقد كونفرانس التاسيس في 12 نيسان 1979 وفيه انبثقت الحركة الديمقراطية الاشورية واتخذت لها شعارا وطنيا وقوميا في ان واحد وبذلك وضعت نضالنا في طريقه الصحيح الذي يظهر الوجه الحقيقي لقضيتنا التي هي جزء من القضية الوطنية واخذت تصحح النظرة الخاطئة للقوى الوطنية على شعبنا ومآخذها عليه سواء بغياب تنظيم قومي يمثله وطنيا ام بالنظر اليه بمنظار الحملة الاعلامية الشرسة ضده والتي سبقت مجازر عام 1933 ومخلفاتها ولم يتم تصحيحها الى ذلك الوقت رغم انخراط العديد من ابناء شعبنا في النضال الوطني وتبوؤهم مراكز حساسة في صفوفها وتضحياتهم الجسام خاصة في صفوف الحزب الشيوعي العراقي منذ تاسيسه والحزب الديمقراطي الكردستاني بعد اندلاع ثورة ايلول عام .